Tuesday, September 19, 2006
إن القول بعصمة البابا من الخطأ البشري و تنزهه عنها هي أحد ثوابت الطائفة الكاثوليكية و التي يترأسها الفاتيكان الان ، و بسبب هذه العقيدة يفحص البابا و من حولة كل كلمة قد تخرج على لسانة و يحسب لها الف حساب و من هنا قد ندرك مدى صعوبة أن يعتذر البابا عن شيء قاله و قد حدث من قبل في عديد من المرات أن أحدثت كلمات و أفعال البابا الكوارث و التي لم يعتذر عنها الا بعد مرور مئات السنين أحيانا ..
أما عن توقيت صدور مثل هذا الكلام من البابا فهو توقيت منطقي تماما فالعالم الان يعج بظاهرة التدين الشعبي في كل مكان و هذا يعد فرصة ذهبية للفاتيكان هذه الايام خاصة و أن البابا الجديد يريد استعادة سيطرة الكنيسة على مقاليد الأمور مثلما كان في الماضي و عدم تهميش دور الكنيسة في السياسة مثلما حدث في العقود الماضية ، و قد حدث مثل هذا من قبل حين اعتبر شارلمان المتوَّج من البابا ليو الثالث 800م نفسه حامياً للبابوية، وأنه رأس الكنيسة والدولة معاً، فأصبح يعين الأساقفة ويتولى رئاسة المجامع الرئيسية التي يدعو إليها، بالإضافة إلى تشريعه للقوانين اللازمة للكنيسة – القانون الكنسي – كما اهتم بإصلاح المدارس الدينية، ورفع مستوى رجال الدين الثقافي؛ فظهرت لذلك نهضة علمية واسعة في عصره، إلا أن الصراع مع البابوية تجدد مرة أخرى لرغبة البابا ليو الثالث في التخلص من سيطرة الإمبراطور، لكنه لم يفلح في ذلك ، و من هنا نلاحظ محاولة البابا في الخروج عن التبعية و أن يكون هو الرأس الكبيرة في صناعة القرارات و ليس تابع لامبراطور او لقوانين دولة .
و بعد ذلك حدث العهد فيما بين البابا جريجوري السابع والبابا بويفيس 1073- 1294م: كان للبابوية في هذه الفترة دورها الكبير في تقرير تاريخ أوروبا كما كان لها في السابق، وذلك بعد سلسلة من الصراعات بين البابوية والإمبراطورية التي عقد من أجلها اللاتران الأول عام 1112م والثاني عام 1139م الذي أعلن فيه البابا أنوسنت الثاني 1130-1143م أن البابا له السيادة العليا على جميع الحكام العلمانيين. وما انتهى هذا الصراع في هذه المرحلة إلا بعد توقيع الصلح بين البابوية والإمبراطور فردريك 1177م. ومن أهم أحداث هذه الفترة انطلاق الحملات الصليبية التي دعا إليها البابا جريجوري السابع عام 1074م. وقد أعلن عن بداية هذه الحملات البابا أوربان الثاني في مجمع كليرمونت عام 1095م، ولم يكتب هذه الحملات النصر إلا في الحملة الأولى ثم انكسرت شوكتهم بعد ذلك. كما شهدت تلك الفترة ظهور حركات الهرطقة ضد الكنيسة، ومنها حركة المارسونية التي تُمثل أكبر بدعة ناهضت الكنيسة في تلك الفترة، بالإضافة إلى سقوط القسطنطينية على يد الحملة الصليبية الرابعة 1453م بالإضافة إلى تقنين القانون الكنسي. و بعد مجموعة من الصراعات و الحروب الدموية بدأت الكنيسة تسيطر على مقاليد الأمور و هو الأمر الذي أدى الى حالة من التخلف الشديد في اوروبا في كافة الميادين و لنأخذ مثالا على ذلك ميدان العلوم فما إن ظهرت في أوروبا بوادر النهضة العلمية المتأثرة بحضارة المسلمين في الأندلس بعد ترجمة العلوم الإسلامية واليونانية إلى اللاتينية، وبرز عدد من العلماء الذين بينوا بطلان آراء الكنيسة العلمية وبخاصة في الجغرافيا والفلك، حتى تصدت لهم الكنيسة استناداً على ما ورد في الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا: "إن كان أحد لا يثبت في يطرح خارجاً كالغصن فيجف، ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق". ولذلك استخدمت ضدهم الرقابة على الكتب والمطبوعات لئلا يذيعوا آراءً مخالفةً للعقيدة الكاثوليكية، وتوسعوا في تشكيل محاكم التفتيش ضدهم، وقد حكمت تلك المحاكم في الفترة من 1481-1499م على تسعين ألفاً وثلاثة وعشرين شخصاً بأحكام مختلفة، كما أصدرت قرارات تحرِّم قراءة كتب جاليليو وجيوردا نويرنو، وكوبرنيكوس، ونيوتن لقوله بقانون الجاذبية الأرضية، وتأمر بحرق كتبهم. وقد أحرق بالفعل الكاردينال إكيمنيس في غرناطة ثمانية آلاف كتاب مخطوط لمخالفتها آراء الكنيسة.
في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ازداد غضب الناس والعلماء والفلاسفة من سوء سلوك رجال الكنيسة، ومن الرقابة التي فرضوها على المطبوعات، وتوسُّعهم في استخدام محاكم التفتيش، ومبالغتهم في القسوة والتعذيب ضد المخالفين والعلماء، مما أثار الفلاسفة من أمثال ديكارت وفولتير، الذين وجّهوا سهام النقد إلى الكنيسة وآرائها، ودعوا إلى إعلاء العقل مقابل النصوص الرئيسية، بفرض أن العقل يستطيع إدراك الحقائق العلمية، والخير والشر.
و حين استطاعت اوروبا التخلص من تلك السيطرة الكنسية استطاعت أن تتقدم و تسير الى الامام بخطا سريعة نحو التقدم ، و لكن الكنيسة لم تكن لتستطيع الوقوف هكذا فمع إقرار الكنيسة بفصل الدينعن السياسة داخل أوروبا، فإن مجلس الكنائس العالمي يقرر في مؤتمر سالونيك باليونان عام 1956م: "أن السياسة هي المجال الذي يتحتم على الكنيسة في دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أن تعمل فيه، وأن على الكنائس أن تراقب خطط التنمية في تلك الدول لتميز بين ما يتفق مع إرادة الله – الزراعة والفلاحة فقط – وبين عمل الشيطان – الصناعة والتقدم العلمي – لتعلن للقوم أين يقف الله، ومن أين يطل الشيطان"، ويقرر في مؤتمر نيودلهي عام 1961م: "إن على الكنيسة أن تكون متأهبة للصراع مع الدولة في أي وضع وتحت أي نظام سياسي" وما ذلك إلا لتسخير تلك الشعوب ومقدراتها، وضمان تبعيتها باستمرار للمستعمر الغربي؛ حيث تشيع بينهم أن التقدم الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة سيأتي دائماً معه بكثرة الخطايا والشرور.
و من هنا ايضا نرى أنه لابد من يد كنسية بخلاف اليد الامبريالية الغربية في نشر التخلف و الجهل في العالم الثالث لضمان استمرار تبعيته للغرب دائما ، و الواضح الان أن البابا بنديكيت السادس عشر قد قرر انتهاز تلك الفرصة و الفوضى المنتشرة في العالم الان بخلاف ظاهرة التدين الشعبي المنتشرة في العالم ليرجع الى الوراء في محاولة لاستعادة دور الكنيسة الضائع و نفوذها ..
و لكن هذا و إن حدث سوف تكون من اكبر الكوارث التي ستحدث منذ قرون عدة ، فمن تاريخ الكنيسة الاسود و التي ذكرت بعضه الان نستطيع أن نرى بعين الخيال الحروب و الدماء التي سوف تراق تحت راية الدين و حماية التعاليم المقدسة و رفع راية الصليب و ما الى هنالك من الشعارات الصليبية التي لا ينساها احد منذ الحروب الصليبية ، و سوف تكون كارثة على اوروبا ايضا فهم كانوا أكثر شعوب العالم تخلفا عندما كانت الكنيسة تحكمهم ، و لا يريد أحد منهم تلك الردة الى الوراء ، الى العصور المظلمة في تاريخهم .
فالبابا بنديكيت السادس عشر لا يرى كل ذلك الان و إنما يرى فقط أن يستعيد سيطرة الكنيسة و زيادة ارتباط الناس بها كما في السابق و لا يرى عدو له ليحشد الناس ضده من حول الكنيسة إلا الاسلام ، فهو الان الدين مثار الجدل الواسع و الذي اهله على استعداد للموت الف مرة للزود عنه ، هذا بخلاف أنه لا ينسى أن التنوير الاسلامي الذي حدث و انتشر الى داخل اوروبا ايام عصور النهضة كان أحد الاسباب ايضا الى انهيار الكنيسة و تعاليمها ايام ما كانوا يقولون أن الارض مربعة استنادا الى الكتاب المقدس .
إن كان هناك من لا يزال يفكر في اوروبا فسوف يحس بالخطر قبل وقوعه عليهم . و كفانا نحن المسلمون أنه عندما كان الاسلام هو من يسيطر كنا أعظم الام و اقواها و اكثرها تقدما ، و كنا منارة لنا و للعالم أجمع .
أحمد عرفة
أما عن توقيت صدور مثل هذا الكلام من البابا فهو توقيت منطقي تماما فالعالم الان يعج بظاهرة التدين الشعبي في كل مكان و هذا يعد فرصة ذهبية للفاتيكان هذه الايام خاصة و أن البابا الجديد يريد استعادة سيطرة الكنيسة على مقاليد الأمور مثلما كان في الماضي و عدم تهميش دور الكنيسة في السياسة مثلما حدث في العقود الماضية ، و قد حدث مثل هذا من قبل حين اعتبر شارلمان المتوَّج من البابا ليو الثالث 800م نفسه حامياً للبابوية، وأنه رأس الكنيسة والدولة معاً، فأصبح يعين الأساقفة ويتولى رئاسة المجامع الرئيسية التي يدعو إليها، بالإضافة إلى تشريعه للقوانين اللازمة للكنيسة – القانون الكنسي – كما اهتم بإصلاح المدارس الدينية، ورفع مستوى رجال الدين الثقافي؛ فظهرت لذلك نهضة علمية واسعة في عصره، إلا أن الصراع مع البابوية تجدد مرة أخرى لرغبة البابا ليو الثالث في التخلص من سيطرة الإمبراطور، لكنه لم يفلح في ذلك ، و من هنا نلاحظ محاولة البابا في الخروج عن التبعية و أن يكون هو الرأس الكبيرة في صناعة القرارات و ليس تابع لامبراطور او لقوانين دولة .
و بعد ذلك حدث العهد فيما بين البابا جريجوري السابع والبابا بويفيس 1073- 1294م: كان للبابوية في هذه الفترة دورها الكبير في تقرير تاريخ أوروبا كما كان لها في السابق، وذلك بعد سلسلة من الصراعات بين البابوية والإمبراطورية التي عقد من أجلها اللاتران الأول عام 1112م والثاني عام 1139م الذي أعلن فيه البابا أنوسنت الثاني 1130-1143م أن البابا له السيادة العليا على جميع الحكام العلمانيين. وما انتهى هذا الصراع في هذه المرحلة إلا بعد توقيع الصلح بين البابوية والإمبراطور فردريك 1177م. ومن أهم أحداث هذه الفترة انطلاق الحملات الصليبية التي دعا إليها البابا جريجوري السابع عام 1074م. وقد أعلن عن بداية هذه الحملات البابا أوربان الثاني في مجمع كليرمونت عام 1095م، ولم يكتب هذه الحملات النصر إلا في الحملة الأولى ثم انكسرت شوكتهم بعد ذلك. كما شهدت تلك الفترة ظهور حركات الهرطقة ضد الكنيسة، ومنها حركة المارسونية التي تُمثل أكبر بدعة ناهضت الكنيسة في تلك الفترة، بالإضافة إلى سقوط القسطنطينية على يد الحملة الصليبية الرابعة 1453م بالإضافة إلى تقنين القانون الكنسي. و بعد مجموعة من الصراعات و الحروب الدموية بدأت الكنيسة تسيطر على مقاليد الأمور و هو الأمر الذي أدى الى حالة من التخلف الشديد في اوروبا في كافة الميادين و لنأخذ مثالا على ذلك ميدان العلوم فما إن ظهرت في أوروبا بوادر النهضة العلمية المتأثرة بحضارة المسلمين في الأندلس بعد ترجمة العلوم الإسلامية واليونانية إلى اللاتينية، وبرز عدد من العلماء الذين بينوا بطلان آراء الكنيسة العلمية وبخاصة في الجغرافيا والفلك، حتى تصدت لهم الكنيسة استناداً على ما ورد في الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا: "إن كان أحد لا يثبت في يطرح خارجاً كالغصن فيجف، ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق". ولذلك استخدمت ضدهم الرقابة على الكتب والمطبوعات لئلا يذيعوا آراءً مخالفةً للعقيدة الكاثوليكية، وتوسعوا في تشكيل محاكم التفتيش ضدهم، وقد حكمت تلك المحاكم في الفترة من 1481-1499م على تسعين ألفاً وثلاثة وعشرين شخصاً بأحكام مختلفة، كما أصدرت قرارات تحرِّم قراءة كتب جاليليو وجيوردا نويرنو، وكوبرنيكوس، ونيوتن لقوله بقانون الجاذبية الأرضية، وتأمر بحرق كتبهم. وقد أحرق بالفعل الكاردينال إكيمنيس في غرناطة ثمانية آلاف كتاب مخطوط لمخالفتها آراء الكنيسة.
في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ازداد غضب الناس والعلماء والفلاسفة من سوء سلوك رجال الكنيسة، ومن الرقابة التي فرضوها على المطبوعات، وتوسُّعهم في استخدام محاكم التفتيش، ومبالغتهم في القسوة والتعذيب ضد المخالفين والعلماء، مما أثار الفلاسفة من أمثال ديكارت وفولتير، الذين وجّهوا سهام النقد إلى الكنيسة وآرائها، ودعوا إلى إعلاء العقل مقابل النصوص الرئيسية، بفرض أن العقل يستطيع إدراك الحقائق العلمية، والخير والشر.
و حين استطاعت اوروبا التخلص من تلك السيطرة الكنسية استطاعت أن تتقدم و تسير الى الامام بخطا سريعة نحو التقدم ، و لكن الكنيسة لم تكن لتستطيع الوقوف هكذا فمع إقرار الكنيسة بفصل الدينعن السياسة داخل أوروبا، فإن مجلس الكنائس العالمي يقرر في مؤتمر سالونيك باليونان عام 1956م: "أن السياسة هي المجال الذي يتحتم على الكنيسة في دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أن تعمل فيه، وأن على الكنائس أن تراقب خطط التنمية في تلك الدول لتميز بين ما يتفق مع إرادة الله – الزراعة والفلاحة فقط – وبين عمل الشيطان – الصناعة والتقدم العلمي – لتعلن للقوم أين يقف الله، ومن أين يطل الشيطان"، ويقرر في مؤتمر نيودلهي عام 1961م: "إن على الكنيسة أن تكون متأهبة للصراع مع الدولة في أي وضع وتحت أي نظام سياسي" وما ذلك إلا لتسخير تلك الشعوب ومقدراتها، وضمان تبعيتها باستمرار للمستعمر الغربي؛ حيث تشيع بينهم أن التقدم الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة سيأتي دائماً معه بكثرة الخطايا والشرور.
و من هنا ايضا نرى أنه لابد من يد كنسية بخلاف اليد الامبريالية الغربية في نشر التخلف و الجهل في العالم الثالث لضمان استمرار تبعيته للغرب دائما ، و الواضح الان أن البابا بنديكيت السادس عشر قد قرر انتهاز تلك الفرصة و الفوضى المنتشرة في العالم الان بخلاف ظاهرة التدين الشعبي المنتشرة في العالم ليرجع الى الوراء في محاولة لاستعادة دور الكنيسة الضائع و نفوذها ..
و لكن هذا و إن حدث سوف تكون من اكبر الكوارث التي ستحدث منذ قرون عدة ، فمن تاريخ الكنيسة الاسود و التي ذكرت بعضه الان نستطيع أن نرى بعين الخيال الحروب و الدماء التي سوف تراق تحت راية الدين و حماية التعاليم المقدسة و رفع راية الصليب و ما الى هنالك من الشعارات الصليبية التي لا ينساها احد منذ الحروب الصليبية ، و سوف تكون كارثة على اوروبا ايضا فهم كانوا أكثر شعوب العالم تخلفا عندما كانت الكنيسة تحكمهم ، و لا يريد أحد منهم تلك الردة الى الوراء ، الى العصور المظلمة في تاريخهم .
فالبابا بنديكيت السادس عشر لا يرى كل ذلك الان و إنما يرى فقط أن يستعيد سيطرة الكنيسة و زيادة ارتباط الناس بها كما في السابق و لا يرى عدو له ليحشد الناس ضده من حول الكنيسة إلا الاسلام ، فهو الان الدين مثار الجدل الواسع و الذي اهله على استعداد للموت الف مرة للزود عنه ، هذا بخلاف أنه لا ينسى أن التنوير الاسلامي الذي حدث و انتشر الى داخل اوروبا ايام عصور النهضة كان أحد الاسباب ايضا الى انهيار الكنيسة و تعاليمها ايام ما كانوا يقولون أن الارض مربعة استنادا الى الكتاب المقدس .
إن كان هناك من لا يزال يفكر في اوروبا فسوف يحس بالخطر قبل وقوعه عليهم . و كفانا نحن المسلمون أنه عندما كان الاسلام هو من يسيطر كنا أعظم الام و اقواها و اكثرها تقدما ، و كنا منارة لنا و للعالم أجمع .
أحمد عرفة
0 Comments:
Post a Comment
<< Home